الاثنين، 1 ديسمبر 2014

التدخين والاضرار المترتبة




لا يختلف اثنان فيما يخص مخاطر التدخين، فهو ضار بالصحة بكل تأكيد، فالتدخين يؤذي كل أعضاء الجسم تقريبا، ويسبب سبعة وثمانين بالمائة من حالات الموت بسرطان الرئة، وهو مسؤول أيضا عن الكثير من السرطانات والمشاكل الصحية
الأخرى، ويشمل ذلك أمراض الرئة والقلب والأوعية الدموية والسكتات والساد (تغيم عدسة العين). كما أن النساء المدخنات لديهن احتمال كبير لحدوث بعض المشاكل المتعلقة بالحمل أو احتمال موت الطفل فيما يطلق عليه اسم "متلازمة موت الرضيع المفاجئ". ويضر التدخين الآخرين أيضا، لأنهم يستنشقون الدخان بصورة غير مباشرة، مما قد يجعلهم يصابون بكثير من المشاكل التي تصيب المدخنين. يقلل الإقلاع عن التدخين من خطورة تعرض الشخص لهذه المشاكل، وكلما أقلع باكرا، كانت الفوائد الصحية أكبر. 
مقدمة
يمثل التدخين مشكلة كبيرة على الصحة العامة. وهذا، لأن الملايين حول العالم يموتون بسبب التدخين كل عام. وتحدث هذه الوفيات بفعل السرطانات ومشاكل التنفس والسكتات والكثير من الأمراض المرتبطة بالتدخين. كما يسبب التدخين أعدادا أكبر من حالات الإعاقة والألم والمعاناة الناجمة عن مختلف الأمراض. يساعد هذا البرنامج على فهم ما يجعل التدخين يسبب الإدمان، وفهم سبب كونه ضارا بالمدخن وبمن يحيط به. 
التدخين
يحوي دخان السجائر آلاف المواد الكيميائية، ستون مادة منها على الأقل مسرطنة. النيكوتين هو المادة التي تسبب الإدمان على التدخين، وهو مادة تحدث إدمانا شديدا. وتعلم شركات تصنيع السجائر هذه الحقيقة، فتتلاعب بمستوى النيكوتين في السيجارة من أجل إحداث الإدمان عند المدخن. يجري امتصاص النيكوتين بسرعة إلى مجرى الدم، وذلك في غضون ثلاثين ثانية من دخوله الجسم، ثم يصل إلى الدماغ، حيث يؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية خاصة تولد شعورا بالبهجة والطاقة. ومن هذه المواد الإيبينفرين. ويوصف هذا الشعور عادة بأنه نوع من "السعادة" أو "النشوة". بعد نصف ساعة، يتلاشى هذا الشعور، ويصبح المدخن محبطا ومتعبا. وهذا هو ما يدفع المدخن إلى إشعال سيجارة أخرى. وتتكرر هذه الدورة من الانتعاش والهمود باستمرار، وهذا ما يقود إلى الإدمان. ولما كان الجسم قادرا على تحمل المزيد من النيكوتين، فإن المدخن يدخن بالتدريج مقادير أكثر فأكثر للحصول على المستوى نفسه من "النشوة". وقد أثبت أن ميل أو توق الجسم للنيكوتين يزداد مع زيادة الشدة النفسية والجسدية. لذلك، فإن الشدة يمكن أن تزيد من التدخين. حين يقرر المدخن أن يكف عن التدخين، فإن ميل الجسم للنيكوتين يؤدي إلى ظهور أعراض السحب أو الامتناع، وهي:
النزق.
الغضب.
العدوانية.
المشاعر السلبية.
إضافة إلى النيكوتين، يحتوي دخان السجائر على أول أكسيد الكربون أيضا، ويرمز له بالصيغة الكيميائية CO، وهو الغاز الذي يقتل الناس الذين يموتون خطا عند تشغيل محرك السيارة مع إغلاق باب المرآب. وعند استنشاق هذا الغاز بكميات قليلة، مثل الكميات التي يتعرض لها المدخن، فإن أول أكسيد الكربون يزيد من خطر الإصابة بمرض القلب. كما يوجد القطران في دخان السجائر أيضا، وهو مادة تسبب أنواعا مختلفة من السرطانات، إضافة إلى تأثيره الضار في بطانة الرئة. عندما يدخن الشخص، فإنه لا يؤذي نفسه فقط، بل يؤذي المحيطين به أيضا. فكل من يحيط بالمدخن يتنفس ما يزفره المدخن، إضافة إلى الدخان المنبعث من السيجارة أو السيجار أو الشيشا. وهذا ما يعرف باسم التدخين السلبي. 
السرطان
تنقسم معظم الخلايا في جسم الإنسان بشكل مستمر، وتموت بطريقة منضبطة تماما. هناك بعض المواد الكيميائية التي تسبب الاضطراب في عملية انقسام الخلية، فتؤدي إلى السرطان. يأخذ السرطان تسميته من المكان الذي يبدأ منه؛ فمثلا، السرطان الذي يبدأ من الرئتين يسمى "سرطان الرئة". يميل السرطان إلى مغادرة مكانه الأصلي والانتشار في أنحاء الجسم. وهذا ما يسمى "النقائل". وحين يعجز جسم المريض عن التغلب على نمو السرطان، فإنه يموت. مع نمو السرطان وانتشاره في الجسم، يمكن أن يصبح مؤلما للغاية، ولاسيما إذا انتقل إلى العظام. كما يمكن أن تصبح العظام هشة بسبب السرطان، مما يؤدي إلى حدوث الكسور. عندما ينتقل السرطان إلى الدماغ، فإنه يمكن أن يسبب الضعف والشلل والغيبوبة والموت. يعد التدخين مسؤولا عن ثلث الوفيات الناجمة عن السرطان على الأقل، فقد تبين أنه يسبب:
سرطان الرئة.
سرطان الفم وجوف الفم.
سرطان الحنجرة (اي أنبوب التنفس).
سرطان المريء (اي أنبوب الطعام).
يعد التدخين هو السبب الأول للوفيات الناجمة عن سرطان الرئة عند الرجال والنساء. إن للتدخين علاقة أيضا مع سرطان البنكرياس والكلية والمثانة وعنق الرحم الذي هو جزء من الرحم. 
آثار التدخين على الرئتين
كل الغازات السامة التي يستنشقها المدخن تؤذي بطانة الرئتين. تكون بطانة الرئة لدى الشخص السليم ناعمة جدا ورقيقة، وتسمح بتبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الدم والهواء. أما عند المدخن فتصبح بطانة الرئتين الناعمة الرقيقة سميكة جدا وسوداء ومتندبة. وهذا ما يعيق الرئتين عن القيام بوظيفتهما. هناك شعيرات دقيقة لا ترى إلا تحت المجهر، تغطي قسما من بطانة أنبوب التنفس والرئتين، وهي تدعى الأهداب. ووظيفة هذه الأهداب هي التخلص من الغبار والشوائب وغيرها من المواد الضارة التي يمكن أن تدخل مع الهواء عند التنفس. وبما أن التدخين يدمر الأهداب، فإن قدرة رئة المدخن على تنظيف نفسها تكون محدودة للغاية. وهذا ما يسبب كثرة العدوى الرئوية (أو الالتهاب الرئوي) التي تسبب بدورها حالة من التندب وصعوبة التنفس. تشتمل الأمراض الرئوية التي يسببها التدخين على:
التهاب القصبات.
الداء الرئوي الساد المزمن.
انتفاخ الرئة.
توسع القصبات.
مرض السبيل التنفسي التحسسي أو التفاعلي.
يؤدي التدخين إلى تفاقم أمراض الرئة الأخرى، مثل الربو. يمكن أن تسبب أمراض الرئة العجز الشديد، فقد يعجز مريض الرئة عن العيش دون التزود بأكسجين إضافي طوال الوقت. وعندما يكون تنفس المرء معاقا، فإن الشخص يصبح معتمدا على الآخرين وعاجزا عن التمرين ويفقد لياقته البدنية.
آثار التدخين على القلب والأوعية الدموية
يجعل التدخين الأوعية الدموية ضيقة ومسدودة، لأن التدخين يدفع الكولستيرول إلى الترسب في الأوعية الدموية. كما أنه يسبب تجلط الدم داخل الأوعية وإغلاقها، وهذا ما يسمى "الخثار". يزيد ترسب الكولستيرول والخثار في وقت واحد من خطر النوبات القلبية واضطرابات نظم القلب، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى العجز أو الموت. يكون تأثير التدخين على القلب أشد إذا كان لدى المدخن:
قصة عائلية تتعلق بأمراض القلب.
ارتفاع في مستوى الكولستيرول في الدم.
مشاكل سابقة في القلب.
عندما تصاب الأوعية الدموية في الدماغ بالأذى، يصبح خطر الإصابة بالسكتة كبيرا. وتسبب السكتات العجز غالبا، حيث تؤثر في المهارات الحسية والحركية. ويمكن أن تصيب السكتة القدرة على الكلام وعلى الفهم والقدرة على العيش دون معونة الآخرين. عندما يتخثر الدم في أوردة الرجلين أو الحوض، يحدث ما نسميه "الخثار الوريدي العميق". وقد تتحرر الخثرة الدموية، وتنتقل مع الدم إلى الرئة، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى وفاة المريض في الحال. ويكثر حدوث هذه الحالة عند النساء اللواتي يتناولن أقراص منع الحمل بعد تجاوز سن الثلاثين. يمكن أن تحدث ترسبات الكولستيرول والخثرات الدموية في الأوعية الدموية الصغيرة للجلد، وهذا ما يسبب تجعد الجلد وشيخوخته. كما يمكن أن تؤدي ترسبات الكولستيرول والخثرات الدموية إلى تنكس المفاصل، فالتدخين يسبب سرعة تدهور وضع المفاصل، ولاسيما الأقراص الموجودة بين الفقرات. وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى آلام شديدة في الظهر أو الساقين، وقد تسبب هذه الآلام عجزا شديدا. عندما يتوقف تدفق الدم إلى الذراعين أو الساقين، يمكن أن يحتاج الأمر إلى عمليات جراحية وعائية كبيرة لاستعادته. وفي بعض الحالات، يمكن أن تفشل هذه العمليات، فيصبح بتر الذراع أو الساق ضروريا. 
آثار التدخين على المعدة والأمعاء
يمكن أن يسبب التدخين حرقة المعدة، أو أن يجعل حدوثها أكثر تواترا وشدة. يكون المدخن أكثر تعرضا للإصابة بالقرحات. كما أن شفاء القرحات عند المدخنين يكون أبطأ بكثير من شفاء القرحات عند غير المدخنين. كما يضر التدخين بوظيفة الكبد أيضا، حيث لا يستطيع المدخن أن يتناول كمية الأدوية التي يتناولها غير المدخن عادة، لأن كبده لا يستطيع معالجتها. ويمكن أن يؤدي التدخين إلى تفاقم حالة تشمع الكبد. يكون المدخنون أكثر تعرضا من غير المدخنين للإصابة بداء كرون. وداء كرون هو مرض يصيب الأمعاء، ويسبب التهابا شديدا وإسهالا وخروج دم مع البراز، مما قد يتطلب الكثير من العمليات. 
آثار التدخين على صحة النساء
يؤثر التدخين تأثيرا سلبيا في صحة الرجال والنساء كما ذكرنا، ولكن هناك مشاكل صحية إضافية خاصة بالنساء. تكون النساء المدخنات، اللواتي يتناولن أقراص منع الحمل، أكثر تعرضا للإصابة بالسكتات وتضيق الأوعية الدموية والخثار. وتكون النساء المدخنات أكثر تعرضا لخطر الإصابة بسرطان عنق الرحم. يكون احتمال حدوث الحمل عند المدخنات أقل منه عند غير المدخنات. كما أن المرأة الحامل المدخنة تكون أكثر تعرضا لولادة الطفل ميتا، أو لولادته قبل الأوان (الطفل الخديج)، أو بوزن أقل بكثير من الوزن الطبيعي. 
آثار التدخين على صحة الرجال
مثلما أن هناك مخاطر خاصة بالمرأة المدخنة، فإن هناك مخاطر خاصة بالرجل المدخن أيضا. يمكن أن يسبب ترسب الكولستيرول والخثرات الدموية في الأوعية الدموية مشاكل في الانتصاب والضعف الجنسي) لدى الرجل. وتعد الأوعية الدموية السليمة ضرورية لحدوث الانتصاب. ولكن، عندما يقل تدفق الدم إلى القضيب، يمكن أن يصبح الانتصاب ضعيفا جدا أو معدوما. يمكن أن يقلل التدخين عدد النطاف، ويسبب مشاكل في الخصوبة. 
آثار التدخين على صحة الأطفال
يعد الأطفال الذين يتعرضون لدخان السجائر بشكل دائم ضحايا أبرياء للتدخين فعلا. إذا كانت الحامل مدخنة، فمن المرجح أن يصاب ابنها باضطرابات سلوكية. تظهر الدراسات أن بنات الأمهات المدخنات يكن أكثر من غيرهم ميلا إلى التدخين عندما يكبرن. يكون الأطفال الذين يتعرضون لدخان السجائر أكثر تعرضا للإصابة بمتلازمة موت الرضيع المفاجئ. كما يكون الأطفال الذين يتعرضون لدخان السجائر أكثر تعرضا من غيرهم للإصابة بالتهاب القصبات والتهاب الرئة وعدوى الأذن، إضافة إلى أن حالات الربو لديهم تكون أكثر شدة. 
مرضى الجراحة
هناك مضاعفات إضافية يمكن أن تحدث لدى المريض المدخن الذي يتعرض للجراحة تحت التخدير العام. ولهذا السبب، يطلب الجراح من المريض التوقف عن التدخين لمدة أسبوعين قبل الجراحة إذا أمكن ذلك. يكون المدخن أكثر تعرضا من غيره للإصابة بالتهاب الرئة بعد العملية الجراحية. يكون المدخن أكثر تعرضا من غيره للإصابة بالعدوى بعد العمليات الجراحية. كما يستغرق شفاء هذه العدوى وقتا أطول عادة. عندما يخضع شخص مدخن لعملية دمج العظام، تكون فرصته في الشفاء أقل من فرصة غير المدخن. 
الخلاصة
يعلم الأطباء اليوم أن التدخين حالة من حالات الإدمان، ويجب معالجته على هذا الأساس. وتوضح الدراسات الحديثة الأسباب الكيميائية الحيوية للإدمان على التدخين. وهذه الدراسات ستؤدي إلى معالجات جديدة أكثر فعالية للتغلب على الإدمان. يحاول المدخنون الآن، أكثر من أي وقت مضى، الإقلاع عن التدخين. وهناك برامج كثيرة الآن لمساعدة الناس على التخلي عن هذه العادة. عندما يقلع الشخص عن التدخين، يحاول الجسم أن يتعافى ويرمم بعض الأضرار التي نجمت عن التدخين. مثلا، في غضون ثلاثة أشهر من الإقلاع تتحسن وظيفة الرئة بنسبة 30٪. وفي غضون سنة، يقل خطر الإصابة بأمراض القلب إلى النصف بالمقارنة مع مستوى هذا الخطر قبل ترك التدخين. بعد عشر سنوات من الإقلاع عن التدخين، تتراجع نسبة الموت بسرطان الرئة إلى النصف تقريبا. وتتراجع مخاطر الإصابة بالسرطانات الأخرى، ويصبح خطر الإصابة بالسكتات مماثلا للخطر الذي يتعرض له غير المدخنين. إن الطريقة الأفضل للوقاية من كل المشاكل التي يسببها التدخين هو أن لا تبدأ التدخين أبدا. لذلك من المهم جدا ألا يشجع البالغون الأطفال على التدخين، ومن المهم بالقدر نفسه مساعدة المدخنين الذين يحاولون التوقف عن التدخين

0 التعليقات:

إرسال تعليق