الاسلام والعقم
اقتضت حكمة الحكيم أن يوزع نعمه وأرزاقه بين عباده، وسعيد في الناس من عرف نعم الله عليه، وحرص على شكرها لينال المزيد، وكلنا صاحب نعمة، فهذا أعطي عافية وحرم الوالد، وهذا أعطى ولداً وحرم العافية، وهذا أعطى أولاداً كانوا سبباً لشقائه وتعاسته، ولذلك ينبغي أن ننظر إلى من هم أقل منا في أمور الدنيا لنشكر الله، وهذا هو توجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما قال: (انظروا إلى من هو أقل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ كيلا تزدروا نعمة الله عليكم!)، وجاء التوجيه القرآني: (( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ))[طه:131]، فإننا نلاحظ قوله (( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ))[طه:131]، فإن الإنسان إذا نظر إلى ما في أيدي الناس وما عندهم أتعبته المناظر، وينبغي أن نلاحظ قوله تعالى (( لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ))[طه:131]، فالأموال والأولاد فتنة واختبار، وما أكثر من يرسب في الامتحان! وانظر إلى ختام الآية (( وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ))[طه:131]، فإن كلمة رزق نكرة لتشمل أنواع الأرزاق والنعم الكثيرة التي نتقلب فيها، وعجباً لأمر المؤمن أن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء، شكر، فكان خيراً له، أو أصابته ضراء، صبر، فكان خيراً.
وهذه قصة حقيقية ذكرها بعض الفضلاء، وهي قصة رجل لم يرزق بأولاد وانتظر سنوات ثم سافر إلى بيت الله الحرام وتعلق بأستار الكعبة وأكثر من اللجوء إلى الله؛ فحملت زوجته، ورزق بولد، وفرح به! وكبر وترعرع في دلال شديد، فكان بعد ذلك مصدر شقاء وتعاسة لأبيه الذي رجع إلى بيت الله الحرام، وتعلق بأستار الكعبة، وسأل الله أن يأخذ ذلك الولد ليستريح! ويصدق هذا المعنى قصة الطفل الذي قتله الخضر، وقال فيه ربنا: (( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ))[الكهف:80]؛ ولذلك فإن المؤمن يرضى بقضاء الله، ويقبل بحكمه، وعندها يكون أسعد الناس، والله سبحانه هو الحكيم العليم الذي يعلم ما يصلح حال عباده، فسبحان من يهب لمن يشاء إناثاً، ويهب لمن يشاء الذكور، ويجعل من يشاء عقيماً!
والمؤمن يلجأ إلى الله، ويبحث عن العلاج، ويدفع الأقدار بالأقدار، فيفعل الأسباب ويتوكل على الوهاب، ثم يرضى في كل أحواله بقضاء الله وقدره. ومن الأشياء النافعة لمن حرم الولد ما يلي:
1- الإكثار من الدعاء، واللجوء إلى الله، فإنه سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه، وقد أجاب نبيه زكريا، وسطر القرآن قصته فقال تعالى:
(( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ))[مريم:2-5].
2- الإكثار من الاستغفار، وهذا علاج قرآني مجرب، قال تعالى: (( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ... ))[نوح:10-12]، وكان السلف إذا أرادوا السقيا استغفروا الله، أو طلبوا الأموال استغفروا الله، أو رغبوا في الولد استغفروا....، وهذا من دقة فهمهم وفقههم.
3- الحرص على الإكثار من الصدقات وفعل الخيرات، وقضاء حوائج الناس.
4- الحرص على تقوى الله في السر والعلن (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ))[الطلاق:2].
5- البعد عن الذنوب والمعاصي، فإن للمعاصي شؤمها وآثارها، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
6- صيانة أعراض المسلمين، والبعد عن تنقيصهم، وعدم السخرية من أصحاب البلاء والمحرومين، حتى لا يعافيهم الله ويبتلينا.
ونسأل الله التوفيق والسداد! ونسأل الله العظيم أن يرزق هذه الأخت الولد الصالح!
والله ولي التوفيق والسداد!
0 التعليقات:
إرسال تعليق